السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تعبر عاطفة الأم من أقوى العواطف الإنسانية خاصة اتجاه أبنائها فكم تعبت و كم قاست من اجلهم في رعايتهم في نشأهم حتى صاروا كبار لكن الكثير لا يستطيع رد و لو جزء من جميلها من كفاحها تلك هي الأم التي كرمها الله عز وجل كرمها الإسلام فالإساءة لها حتى لو بكلمة بسيطة مثل أف تكون عاقبتها العذاب الشديد و إعانتها و طاعتها تكون بالجزاء الحسن .يقال إن إحساس الأم و عاطفتها اتجاه أبنائها جد قوية لشدة العلاقة بينهما فكل ما يمس أولادها من سوء تحس به و هذا راجع لغريزة الأمومة و التي توجد في جل الكائنات الحية .
قرأت إحدى القصص لبديع الزمان الهمداني في أدب المقامات قصة رائعة تصور لنا العاطفة الرهيبة لدى الأم اتجاه ابنها هذا الابن كان يعيش وحيدا مع أمه في حياة مليئة بالبؤس و الشقاء و الفقر فذهب ذات يوم لمقابلة الملك ليطلب منه مساعدة حتى يتمكن من العيش الكريم فوافق الملك على ذلك حيث وعده بأن يعطيه نصف ما يملك من ثروات لا تعد ولا تحصى بشرط أن ينفد له شرطه الابن ابهره العرض المغري الذي لم يكن يتصوره أبدا فوافق على الشرط قبل أن يتعرف إليه فتقدم الملك بشرطه و المتمثل في أن يأتيه بقلب أمه أي يجب أن يقتل أمه و ينزع قلبها من جسدها و يقدمه إلى الملك و المقابل نصف ثروته في بادئ الأمر تردد الابن لكن لم يصمد أمام العرض المغري من ثروة طائلة بعد ذلك مباشرة وافق الابن على الشرط فتوجه مباشرة إلى منزله أين وجد أمه بانتظاره و على حين غفلة طعن الابن أمه ثم قام بنزع قلبها و توجه إلى قصر الملك ليحصل على ثروته و في الطريق أحس الابن بعتاب داخل نفسه فضميره يؤنبه على ما اقترفه من جناية في حق أمه فتذكر أن أمه هي من ولدته و ربته و تعبت لأجله و تأكد أن ما فعله خطأ و جريمة و لا احد يستطيع أن يرجع له أمه التي قتلها بيديه دون رحمة ولا شفقة و ذلك القلب الذي نزعه هو من كان يحس بآلامه و معاناته فقرر الابن أن ينتحر انتقاما لما فعله بوالدته فحمل الخنجر ووجهه نحو قلبه لكن قلب الأم تكلم و قال له قتلتني مرة أتريد قتلي مرتين اترك قلبي يعيش مرة أخرى اعتراض واضح لقلب الأم على قتل الابن لنفسه القصة لم تنته هنا لكنها تصور لنا مدى حب الأم لابنها رغم غدره لها ذلك الحنين و العاطفة الصادقة هي رحمة الله على كل ابن في الحياة
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا.... بنقوده كيما ينال به الوطر
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا.... بنقوده كيما ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى .... ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغرز خنجرا في صدرها... والقلب أخرجه وعاد على الاثر
لكنه من فرط سرعته هوى .... فتدحرج القلب المعفر اذ عفر
ناداه قلب الام وهو معفر ... ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
فكأن هذا الصوت رغم حنوه... غضب السماء به على الولد انهمر
ودرى فظيع خيانة لم يؤتها ... أحد سواه منذ تاريخ البشر
فارتد نحو القلب يغسله بما ... أجرت دموع العين من سيل العبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا .... تغفر فان جريمتي لا تغتفر
واذا غفرت فانني أقضي انتحارا مثلما ... يغاث من قبلي انتحر
فاستل خنجره ليقتل نفسه... طعنا فيبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الام كف يدا ولا ... تذبح فؤادي مرتين على الاثر